يوميات معلمة روضة - الحلقة الثالثة

Blog Image
  • Author

    حنان شبيطة

    معلمة روضة - منتيسوري
  • Date

    25 April 2019

نظرت داخل الغرفة الصفيّة وعلامات الدهشة والتعجب تعلو وجهها، وبإبتسامة عريضة لا تخلو من الإستغراب دخلت أم سامي الصف و ذهب مباشرة الى طفلها الذي كان منسجماً مع صديقه باللّعب وعانقته بقوة، فالتفت اليها سامي وقال بحماس : "جاءت ماما".

عبّرت الأم عن فرحها لأنها وجدت طفلها سعيداً منسجماُ وكان هذا عكس توقعاتها، وأخبرتني أنها فكرت للحظه بسحبه من الروضة وإعادة تسجيله السنة القادمة.

طمأنتها بأن هذا وضع معظم الأطفال الجدد، وأن أي طفل بالعالم يحتاج لفترة من الوقت حتى يتكيف مع المكان الجديد وهذه الفترة تختلف من طفل لآخر. مرّ اليوم الأول بسلام، بالرغم من التعب و العمل إلاّ إنني غادرت صفي و أنا أشعر بالرضا.

مرّ أسبوع على بداية العام الدراسي، واكتمل عندي عدد الأطفال داخل الصف باستثناء طفلة واحدة كانت لم تتأتي بعد. دق باب الصف, الأم و ابنتها على الباب، نظرتُ بابتسامة عريضة واستنتجت أن هذه الطفلة الجميلة هي الأسم الغائب على القائمة طوال الأسبوع الفائت.

سلّمت على الأم وعانقت الطفلة بحب، وكنت قد لاحظت من النظرة الأولى الى الطفلة قلقاً و خوفا كبيرين في عينيها، سلمتني الأم ابنتها و همست بأذني وقالت: "حليمة راح تغلبك شوي". طمأنتُ الأم بكلمات سريعة و ذهبت. أغلقتُ باب الصف وحدث ما توقعته الأم، بدأت حليمة تصرخ بقوة و هي تنادي على أمها، حاولت تهدئتها و لكنها قاومتني بعنف كبير يفوق حجمها الصغير، قلقت و تعجبت ! من أين لهذه الطفلة بكل هذه القوة بالرغم من جسدها النحيل.

قابلت عنفها بحب وأخضعتها لعناقٍ طويل قابلته بالرفض، ولكن كان عندي إصرار لايراوده شك أن هذا العنف الطفولي يخفي خلفه حاجة قوية للحب، وفعلاً بدأت أشعر بهدوء في جسدها واستسلام لعناقٍ طويل. بعد أن هدأت حليمة نظرت الى الصف و كأنها تستكشف المكان و سألتني:"هل أستطيع أن أنام على هذه الوسادة الكبيرة؟", سمحت لها بالنوم، وفعلا ماهي إلا دقائق و غطت الفتاة بالنوم،لقد كان نومها هروباً من المكان الجديد.

أكملت يومي بشكلٍ طبيعي وكنت أراقبها بنفس الوقت، استيقظت بعد ساعتين، ثم جاءتني وسألت:"أين أجلس؟" أرشدتها الى مكانها و كنت  حريصةً بأن أضعها مع مجموعة من الفتيات حتى يكون انسجامها سريعاً.

مرّ أسبوعً آخر وكان المشهد يتكرر مع حليمة، بكاءٌ على باب الصف ومقاومةً لاتخلو من عنف ثم هروب بالنوم على الوسادة! كنت قد تحدثت مع أم حليمة لأتعرف أكثر على شخصية حليمة، فوصفت لي الأم ابنتها بأنها عنيدة و لم تذكر الكثير من الإيجابيات.

مرّ الأسبوع الثاني لحليمة وبدأ الوضع بتحسن، كنت حريصة على استقبالها دائماً بحب. وكانت هذه الطفلة قد أخذت حيزاٌ كبيراً من تفكيري لقد أثارت فضولي، لقد شعرت أن هناك الكثير من المشاعر المخفية خلف جسدها الضعيف.

مرّت الأيام أسرع و بدأت حليمة ببناء صداقات مع من حولها وأصبحت زميلاتها يرغبن باللّعب معها أكثر، كان أداؤها الدراسي ممتازاً رغم أنني كنت ألاحظ الكثير من التقلبات المزاجية والعاطفية التي تمر بها هذه الطفلة، في يومٍ تكون سعيدةً و في يوم آخر يبدو عليها الحزن العميق.

في ذلك اليوم كان درسنا عن حرف الطاء و كنت قد عرضت مجموعة من الصور على السبورة ... طاووس... طالب.....طاولة، سألت الأطفال ما فائدة الطاولة في حياتنا؟... بدأت أستمع لإجاباتهم, أحمد: نستخدم الطاولة عندما نكتب.. احسنت, لارا: نضع الطعام على الطاولة ...... ممتازه ياصغيرتي. رفعت حليمة يدها وقد كانت مشاركاتها قليلة، تقدمت نحوي ونظرت الي بحزنٍ شديد ثم أنزلت رأسها باتجاه الأرض و كأنها تريد اخفاء أمر ما، نزلت باتجاهها و سألتها : ماهو جوابك ياحلوة؟ اقتربت من أذني و همست:"بابا يضرب ماما بالطاولة"! اهتزت أذني وسرت القشعريرة في جسدي وأرتجفت يداي و كأن زلزالاً قد ضرب جسدي، نظرت الى حليمة و قد قاومت رغبتي بالبكاء.  لم أعرف ماذا أقول و كيف سأرد على هذه الطفلة المسكينه.

لقد كان صعباً ماسمعته وكان صعباً أكثر ماشاهدته هي! عانقتها بقوة و كأني أنا من أبحث عن مهرب هذه المره، فكان ما قالته هذه الطفلة صادقاً جداً و موجعاً جداً.......يتبع

ملاحظة: القصة مأخوذة من أحداث حقيقية ولكن تم تغيير الأسماء إحتراماً لخصوصية الأطفال.