يوميات معلمة روضة - الحلقة الخامسة

Blog Image
  • Author

    حنان شبيطة

    معلمة روضة - منتيسوري
  • Date

    25 April 2019

لم يدم هذا الصمت من حولي طويلاً، قالت احدى طالباتي مس...مس قولي لحليمة أن تلعب معنا، نظرت الى حليمة ووجدت نفسي قد عانقتها دون أن أشعر قلت لها توقفي عن البكاء ياصغيرتي فقلبي يحزن لحزنك، قالت لي أنا أحب أمي و لا أريد أن تموت! قلت لها أنا متأكدة بأن أمك لم تمت ولكني أعتقد انها تشعر بالتعب الشديد و عليها أن ترتاح. شجعتها لتذهب للعب مع صديقاتها، ذهبت حليمة للعب بخطوات يائسة بطيئة.

فكرت في نفسي و قررت أن أبلغ مشرفتي بالمستجدات و رأيت أنه اصبح  من الضروري استدعاء الأهل. انتهى وقت اللعب وعدت مع أطفالي الى الغرفة الصفية، أخذت وقتاً مستقطعاً و ذهبت للتحدث مع مشرفتي و أطلعتها على المستجدات، قالت لي بقلق ما الذي رأته هذه الطفلة حتى تقول ما قالته؟ أجبتها دون تردد انه العنف المنزلي! ردة المشرفة لقد حان وقت استدعاء أهل حليمة لفهم الصورة بشكل كامل.

في ذلك اليوم انتظرت وقت مغادرة الأطفال بفارغ الصبر، كنت انتظر قدوم والد حليمة حتى أرى و أدقق في تلك الملامح الرجولية التي تخفي خلفها الكثير من النقص! ولكنه لم يأتي بهذا اليوم بالذات، ولأول مرة يأتي رجلٌ كبيٌر بالسن لأخذ حليمة و اختها، انه الجد جاء و أخذ الطفلتان معه. قلقت أكثر فأين هو الأب؟ و لماذا اليوم بالذات لم يأتي ؟ أسئلة كثيرة حامت داخل رأسي المتعب بالتفكير.

في اليوم التالي اتصلت المشرفة بأم حليمة و الحمدلله قد أجابت، اذاً هي لم تمت، ولكن ما الذي حدث فعلاً؟ مازال القلق و الفضول يتملكني، بعد ساعاتٍ قليلةٍ جاءت الأم ثم استدعتني المشرفة و جلست بقلقٍ بالغ، كانت الأم تبدو متعبةً مرهقةً يائسة، بدأت بالسؤال عن ابنتها و قالت كيف هي؟

طمئنتها بأنها جيدةً جداً من الناحية الأكاديمية و أن علاقاتها مع صديقاتها ممتازة، فلقد تعلمت كمعلمة بأن أبدأ دائماً بالأخبار الجيدة عن الطفل و من ثم أبلغ الأهل بأي مشكلة بعدها و ذلك من شأنه أن يساعد الأهل على تقبل مشاكل أطفالهم.

قالت الأم بعد ان رسمت كلماتي ابتسامة باهتة على شفتيها:"الحمدلله أنها جيدة" ، ثم أكملت قائلةً: "اذا شعرتم بأي تغيير على شخصية أو سلوك حليمة فهذا قد يكون سببه أنني قد انفصلت أنا و والدها عن بعضنا فأنا غادرت المنزل و بقيت حليمة و اخوتها مع والدهم". لم أتفاجأ كثيراً من كلامها فواضح بأن هذه العائلة تعاني الكثير من المشاكل. قلت لها بأن وضع حليمة النفسي غير جيدٍ أبدا، و أنها أخبرتنا بأن أمها ماتت و هذا بسبب شيء رأته. أجابتني قائلة: "فعلا لقد رأت طفلتي مالاطاقت لأي طفل برؤيته !! فهل ستسعد طفلة بأن ترى أمها تهان؟!".

اعتذرت أم حليمة قائلةٍ: " اعذوروني فلا أستطيع ان أناقش المزيد معكم فهذه أسرار عائلية." قلت لها:" أتمنى ان يساعدك الله في حل هذة الأزمة العائلية و أتمنى بأن تهتمي بحليمة و لاتهمليها فهي تحبك جداً".

عدت الى صفي و راقبت حليمة من بعيد، كانت تلعب مع صديقاتها و تضحك مهعم، اكتشفت حينها بأن هذه الطفلة قويةً جداً، تكاد ان تكون أقوى من أمها و أبيها، فرغم ما تعرضت له و رغم التعاسة و اليأس و قلة الحلية التي رأتها في وجه أمها و رغم نقص الرجولة في والدها الا أنها تأتي كل يوم و هي تضحك و تلعب مع صديقاتها و تكافح حتى تستمتع بيومها، كم انت جبارة يا صغيرتي!

مرت الأيام و بدات درساً جديداً كالمعتاد، نظرت الى "تالا" و قلت في نفسي لقد جاء وقت اخراجها من صمتها الطويل، لقد انتهى وقت الصبر.....يتبع

ملاحظة: القصة مأخوذة من أحداث حقيقية ولكن تم تغيير الأسماء إحتراماً لخصوصية الأطفال.