الطريق الآمن

Blog Image
  • Author

    حنان حجازي

    معلمة تربية فنية
  • Date

    25 April 2019

الطريق الآمن ..إنه الشارع المزدحم  بأطفال المدارس، يضيق بضجتهم  وحركتهم الزائدة التي لا تخلو من بعض المشاجرات, والأحاديث الصاخبة التي لا تعترف بالقوانين، والتسكع على هذا الرصيف الذي حفظ تفاصيل معاركهم المسليّة أحياناً لأنها تحمل براءتهم  ، حتى هذه الوجوه التي تمر بجانبي تربطني بها علاقة صامته. أتعرف عليهم حين أراها، و أفتقدها إن لم أرَها رغم أنني لا أحفظ لهم أسماء.

ففي كل يوم أمر على هذا المكان في نفس التوقيت في الساعة السادسة والنصف صباحاً , تصحو الشمس  وترافقني في منتصف الطريق، و أستقبل كل فصول السنة هُنا. نبتل تحت قطرات المطر فلا شيءً يحمينا سوى السماء, ويغازلنا الربيع لنشهد ميلاد كل زهرةٍ تنمو في زوايا جدار هذا المكان، فيعتذر لنا تموز عن شمسه الحارقة، ويأتي الخريف فيصالحنا  مع أيامه. إنه الممر الآمن إلى عملي والطريق الذي أحببته وكثيراً ما كنت أثرثر له عن متاعبي فيسمعني دون مقاطعة، ولايستطيع  تقديم النصيحة لي فكل مايقدمه  هو الصمت الذي يريحني في كثير من الأحيان.

 لكن  أكثر ما كان يلفت نظري هو  تجمع الأطفال والمارة حول محلٍ صغير لرجلٍ يبدو أنّه كبيرٌ في السن, يبيع وجبه الإفطار لكل من يمر من هناك. وتبدو على ملامحه علامات الرضا والإرتياح وهو يوزع ابتسامته على كل من يشتري منه، وكثيراً ما حذرنا هؤلاء الأطفال من الشراء من خارج المدرسة. لكن يبدوا أن هناك شيئاً يجذبهم  إلى هذا المحل البسيط المجاور للمدرسة!

قررت اليوم أن أذهب لأتعرف على سرّ تجمع الجميع حوله من كبار وصغار, ذهبت إليه وألقيت عليه التحيه! ردَّ بابتسامةٍ جميلةٍ وحدثني بلطفً وأدبٍ وغلف ما طلبت منه بدعاء يريح النفس, وكان يلقن الأطفال بجانبي : "ابدأها ببسملة واختمها بحمد الله لتتبارك بها ". وكانت هذه معاملته مع الجميع أدركت في تلك اللحظة سبب تجمع الأطفال والمارة حوله في كل يوم , كان يبيع بضاعته بطيب الكلام ويغلفها بإبتسامة جميلة . هي أشياءٌ تُعطى ولا تُطلب:عفوية الحديث، الإبتسامة الجميلة و الكلام الطيب. إنها الخلطة السحرية لهذا القبول .

 وما هي إلا دقائق معدودة ويخلو هذا الشارع من جميع المارة  و المتجولين ولا  يتبقى به إلا آثار أقدام كانت هنا, وكلمات طيبة اختزلناها  في قلوبنا لهذا المكان .