بيتنا القديم

Blog Image
  • Author

    حنان حجازي

    معلمة تربية فنية
  • Date

    27 April 2019

كنا قديماً نزرع  الحب على  عتبات البيوت، فتنجب الأيام  لنا أجمل الذكريات، ومَازالتْ مشاعرنا القديمة تسكن في بيوتنا الحديثة. لم أرث يوماً عن والدي المال أو القصور، كل ماورثته بعض عادات كان يمارسها في بيتنا البسيط الذي لم تدخله التكنولوجيا الحديثة يوماً، ولا تتجول به الهواتف النقالة, ولم نبحث عن  مشاعرنا خلف مواقع التواصل الاجتماعيّ، ولم نفكر في تسولِ الحب من قوائم الأصدقاء.

كنا نعيشُ مشاعرنا في زوايا بيوتنا المغلقة التي تستمدُّ عافيتها من ساكنيها, فكلمةٌ طيبة واحدة تنهي شِجاراً، وإبتسامةً صادقةً تستند الفرح  طِوال النهار, رغم أننا لم نُردد عبارات الحب بيننا كثيراً في ذلك الوقت, لكن مخزوننا العائلي  من المودةِ والألفةِ يملؤ هذا البيت كأنه زادُنا.

 كانت ابتسامةُ والدي حبٌ وسند وعزوة تُساوي قبيلة, ودعاءُ أُمي حضنٌ يتسعُ للجميع, ومشاكسة إخوتي تمرّدُ على الروتين المحببِ إلينا, إلا إنَّها  كانت  عيشةً راضيةً رغم بساطتها. تَعلمنا  أن الصباح الجميل يبدأ بذكر الله، وأن العمل عبادةٌ, وأنَّ أطفالنا فلذة أكبادنا هم عملُنا النافع ودعاؤنا الصالح, وأن الحب الصّحيح ما نعيشه بين  جدران هذا البيت فهو الحب الحلال الذي تباركة السماء وتحتضنه الأرض ويزهر  بقلوبنا.

 فكانت بيوتنا قديماً تسودُها القوانين, فلم نفكر يوماً بالتمرّد عليها  أو التذمر منها!  فحينما تجمعنا مائدةُ طعامٍ واحدة  يلتزم الجميع بقوانين الإحترام والتقدير لهذه المائدة, فلا أحد يمدُّ يده على الطعام إلا بحضور الجميع, ونقدم كلمات الحبّ والإمتنان لمن قضت ساعاتٍ طويلةٍ بإعداد الطعام. فتبتسم لنا كأنها تمسح تعب ساعات من العمل, ويبدأ الحوار العائلي  الُمعتاد الذي نُسأل فيه  عن يومنا المدرسي , ومن كان يُرافقا ومع من لعبنا ولهونا.

كنّا نُخبئ كل المواقف التي نمرُّ بها  فهم يُحبون أن يسمعونا ونحن نحب الحديث معهم, إنها المائدة التي تتجمع قلوبنا حولها, وتجعل من المساء أمسيةً جميلة نُرتب الحُب فيها. هكذا كنا نعيشُ الحب في بقعةٍ خضراءٍ،  كم كنّا سعداء في ذاك الوقت رغم أنْ بيوتنا البسيطة.