يوميات معلمة روضة - الحلقة العاشرة

Blog Image
  • Author

    حنان شبيطة

    معلمة روضة - منتيسوري
  • Date

    28 April 2019

أبلغت مشرفتي بضرورة تنسيق اجتماع مع والديّ غيث حتى أستطيع معرفة الظروف التي كانت سببا في تكوين شخصية غيث التي أستطيع وصفها بالصعبة! وفعلاً استجاب والدا غيث لطلب المشرفة و اجتمعت معهم لفترة ليست بالقصيرة، كانت الأم تؤيدني بوصف غيث و قالت أن ابنها طفلٌ عنيد جداً و لا يستمع لكلامها اطلاقاً، وأنه دائماً يفعل ما يحلو له لدرجة أن عقابها لهُ وصل لحد حرمانه من العشاء و النوم دون طعام.

و على النقيض تماماً كان جواب الأب على كلامي كالتالي: أنا أستغرب كلامكم هذا فأنا لا أواجه هذه الشخصية مع ابني أبداً فهو مطيع لي دائماً و لا أرى منه عصياناً و لا تمرد!

الغريب بالموضوع أن كلام الأم صحيح و كلام الأب ايضاً، غيث فعلا يبدل شخصيته بين أمه و أبيه، فمن الواضح أن للأب سلطة طاغيه على الجميع و منهم غيث فلا يرى منه أي تمرد، و قد يكون غيث قد اكتسب هذه الشخصية من والده و يمارسها هو رغم طفولته على أمه و معلمته و اصدقائه. و طبعا قبل مغادرة الأهل أعطوني وعداً بالتعاون والتواصل معي للتحسين من سلوك غيث داخل المدرسة.

كانت النتيجة التي حصلت عليها كمعلمة من هذا الاجتماع هي أنني استنتجت الى حدٍ كبيرأحد الأسباب الي تشرح لي سبب سلوك غيث و قررت كمعلمة أن أبذل جهدا أكبر حتى أحقق نتيجة ايجابية مع غيث.

في اليوم التالي و كالعادة بدأت يومي داخل غرفتي الصفيّة بترتيب الكتب و احتياجات الأطفال و قررت أن أعيد ترتيب الطاولات و الكراسي على سبيل التغيير، و بينما كنت أنسق الطاولات لمعت في رأسي فكرةً من شأنها أن تساعدني في التقليل من حركة غيث داخل الصف من جهة ، و من جهةٍ أخرى سوف تعزز شخصيته بشكل ايجابي جداً. قررت أن أخصص لغيث طاولة خاصةً به مع كرسي و أسميتها (بيت غيث)، سيجلس عليها فقط غيث و سيضع أدواته و حقيبته الخاصة بجانبه.

و فعلاً طبقت الفكرة و غيرتُ ديكور الغرفة الصفية،ّ و وضعت الصور التعزيزية على طاولة غيث الخاصة و بعدها توجهت الى الطابور الصباحي مع أطفالي. انتهى الطابور الصباحي و عدت للصف مع أطفالي، جلس الجميع في مكانه و كانت أعين الأطفال تتجه نحو الطاولة و الكرسي الجديدين، سأل أحد الأطفال و قال : "مس لمن هذه الطاولة الجديدة ؟"

نظرت الي عينيه و قلت :"هذا بيت غيث سيجلس هنا على هذه الطاولة في مثل بيته سيهتم بها و بنظافتها، فغيث طفل مميز و سيتحق أن يكون عنده بيت خاص به". لمعت عينا غيث و ابتسم ابتسامةً بريئةً، فقد كان واضحاً أن أنه أُعجب بالفكره و قال لي بحب :"مس هل خصصتي لي هذه الطاولة؟" قلت له :" نعم يا صغيري فأنا أحبك و أنت طفل مميز و ستجلس على هذه الطاولة، فهذه الطاولة فقط للأطفال المميزين المهذبين".

و فعلاً جلس غيث في بيته الجديد داخل الصف و كان سعيداً جداً، و قد أبدى سلوكاً جيداً جداً طوال اليوم و جلس لمدة أطول من المعتاد فهو مشغول في بيته و لايريد مفارقته. رغم أن هذه الفكرة كانت قد لمعت في رأسي بلحظة، الا أنني تفاجأت بأنني بدأت ألمس نتائجها في اليوم نفسه، و مع مرور الوقت بقي غيث متمسكا بفكرة وجوده داخل بيته الخاص داخل الصف، و كنت يومياً ألاحظ تقدماً ايجابي في سلوكه بالرغم من بعض السلوكيات الخاطئة التي يفعلها في بعض الأحيان.

غيث تحوّل من المستحيل الى الممكن بفضل فكرة بسيطة .... بيت غيث.