نعم انه تحدٍ جديد !..... تضاربت الأفكار في عقلي و هبَت عاصفةُ من المشاعر داخل قلبي ، و سألت نفسي هل سيعود طفلي الى سلوكه الرافض لكل من حوله من جديد ؟ هل سيثور باحثاً عني بين جدران الروضة دون أن يجدني؟
جاء وقت المغادرة في آخر يوم لي قبل الاجازة ،قمت بجولةٍعلى جميع معلمات طفلي و تحدثت معهن كأمٍ قلقة و نسيتُ أني معلمة، و الحمد لله سمعت الكثير من التطمينات من معلمات حمزة، و قالوا لي لا تقلقي نحن نستطيع التعامل معه جيداَ ، باختصار "طفلك في أمان" فقط اهتمي بنفسك.
ودعتُ الجميع و عدت الى المنزل ، جلستُ مع طفلي و تحدثتُ معه عن الوضع الجديد و قلت له بأنني سأتغيبُ لمدة اسبوعين و لن أتواجد معه بالروضة، رأيت على وجه طفلي ملامح خوف و قلق! عانقته و قلت له أن كل شيءٍ سيكون على مايرام.
دخلت المستشفى و تمت العملية بنجاح و خرجت والحمد لله، بعد يومين من خروجي و استقراري داخل المنزل تحدثتُ مع طفلي و سألته كيف الدراسة و هل أنت سعيدٌ في الروضة؟ كانت اجاباته سريعةً واثقةٌ " نعم ماما,كل شي تمام "
رغم مرور الأيام كنت مازالت أشعر بالقلق و أرسلت رسائلاً على الواتس اب هنا و هناك لمشرفتي و لمعلمات طفلي و سألتهم عن حمزة و كنت دائماً أسمع التطمينات عنه و بأن وضعه مستقر.
مر الوقت و عدت للعمل ، رحب بي الجميع دون استثناء و كنت فعلاٍ قد اشتقت للمكان.
في أول فرصة لي ذهب للتحدث مع المشرفة لسؤالها عن وضع طفلي في الأسبوعين الفائتين ، و هنا كانت المفاجأة!
قالت لي بأن طفلي أظهر شخصيةً لهم في غيابي لم يظهرها أثناء وجودي أبداً.
قلت لها اشرحي لي أكثر ....
قالت:" كان حمزة طفلاً رائعاً جداً متفاهماً مع أصدقائه محباً لمعلماته محافظاً على القوانين و الأنظمة و مجتهدأ في دروسه، و استمر هذا السلوك الرائع طوال فترة غيابي".
صدمت لما سمعت .... و فرحت ، حقيقةً شعرت بالدهشة !!
هذه الشخصية التي تحدث عنها المشرفة و وصفت طفلي بها هي شخصيته الحقيقية التي حاولت كثيراً أن أقنع الجميع بها و لكن طفلي أظهر غير ذلك.
بعد حديثي مع المشرفة اتضحت الصورة تماماً أمامي، و أعدت شريط الذكريات سريعاً و تذكرت سلوك طفلي و اكتشفت أن كل ما فعله كان لسببين:
السبب الأول, هو ارتباطه الشديد بمدرسته السابقة خلق عنده أزمةَ الانتقال للمكان الجديد، و السبب الثاني هو وجودي معه فهو متعلق بي جداً فأصبح تعلقه بي سلبي داخل الروضة و فقد تركيزه تماما و أظهر شخصية صعبة رافضة لكل شيء، و للأسف الشديد فقد استمتاعه بالمكان.
ولكن بالرغم من اندهاشي الكبير الا أنني شعرت بالاطمئنان و السعادة لأن هذه المرحلة كانت مؤشراً ايجابي للمرحلة الانتقالية القادمة لطفلي في الصف الأول و ذلك لأنه لن يكون معي في نفس القسم.
و في الختام .....
لم يكن سهلاً أبدا بأن أعيش هذه المشاعر المختلطة بين وظيفتي كمعلمة و بين دوري كأم ، فالأم تنسى الدنيا و مافيها عندما ترى دموع طفلها و حاجته لها.
و أجمل مافي يوميات كل معلمة هي مشاعر الأمومة التي يفيض قلبها بها كل يوم فتنثرها بين جدران غرفتها الصفية لتعانق بها قلوب أطفالها لتعطيهم الحب و الحنان.....