المضادات الحيوية بين الفائدة والخطورة

Blog Image
  • Author

    هلا الطاهر

    اخصائية علم الوراثة و الطب الجزيئي
  • Date

    31 December 2019

في هذا الموسم من كل عام تكثر الأمراض و تواجه كل أسرة معضلة القرار: هل يجب أن اعطي ابنائي المضاد الحيوي عند اصابتهم بالحمى؟ و لماذا تتضارب الأراء حول فائدة المضادات؟ هل هي تضعف مناعة الطفل؟ و ما علاقة نوع الجرثومة بفاعلية الدواء؟ ما هو التصرف الأمثل لحماية أبنائي من المرض؟

من المؤكد بأننا كلنا سمعنا عن خطورة تناول المضاد الحيوي بدون وصفة طبية. وسمعنا أن تناول المضادات بكثرة يؤدي الى مقاومة المضادات الحيوية أو ما يسمى ب antibiotic resistance

فما هي المضادات الحيوية و لماذا كل هذا الخوف والضجة حول مقاومة المضادات الحيوية؟

تعتبرالبكتيريا باختلاف أنواعها كائنات مجهرية وحيدة الخلية، وتتكاثر عن طريق الإنقسام، ما يعني انها تمارس النشاطات الخلوية الطبيعية كالتنفس وانتاج الطاقة. وقد كانت الأوبئة الناتجة عن انتشار عدوى بكتيرية من اكثر الأوبئة خطورة وفتكا في الماضي، لسرعة انقسامها وانتشارها، حتى اكتشفت المضادات الحيوية  في بداية القرن العشرين واشهرها البنسلين. وتعرف كمركبات كيميائية ذات شكل محدد يسمح لها بالأرتباط بالخلية لتعيق أحد العمليات الحيوية في البكتيريا، فتعمل اما على منع الخلية من الانقسام فلا يزداد عددها وتصبح سهلة السيطرة امام جهاز المناعة، أو أنها تعيق تنفس الخلية وبالتالي تقتلها. وهذا يفسر قدرة المضادات على علاج الأمراض البكتيرية وليس الفيروسات، حيث أن الفيروسات ليست خلايا ولا تمارس أنشطة حيوية وبالتالي لن تستطيع المضادات الحيوية التأثير فيها.

بعد اكتشاف البنسلين عن طريق الصدفة، كثف العلماء أبحاثهم للتوصل الى أنواع اخرى من المضادات الحيوية، وتنوعت المضادات المكتشفة بتنوع البكتيريا واختلاف تفاصيل العمليات الحيوية فيها، ولكن ومن فهمنا لمبدأ عمل المضادات بامكاننا الأن توقع أن عدد المضادات محدود وليس بالسهولة الحصول على أنواع جديد ، لأن الأشكال الكيميائية محدودة ولا تتطور.

فما المشكلة اذا من تناول المضادات بكثرة؟

تعتمد البكتيريا في بقائها على القيام بالوظائف الحيوية الأساسية. وتستمد كل خلية جديدة مكوناتها وطريقة عملها من المادة الوراثية DNA  الموجودة فيها، حيث تحمل الشيفرة الوراثية لكل المواد التي تنتجها الخلية للبقاء والانقسام. وتنسخ البكتيريا المادة الوراثية فيها في كل مرة تقوم بالانقسام، لتحصل كل خلية من الخليتين الناتجتين عن الانقسام على نسختها الخاصة من ال DNA. و في كل مرة يتم فيها نسخ ال DNA يكون هنالك مجال للخطأ، من الممكن أن يسبب الخطأ في أن تحصل واحدة من الخلايا على نسخة مختلفة من ال DNA، وهذا الاختلاف اما أن يكون ضارا للبكتيريا الجديدة فتموت، أو يكون نافعا فيعطيها صفة جديدة لم تحملها الخلية الأصلية، كأن يختلف شكل غشائها أو طريقتها بالتنفس أو الانقسام. وفي هذه الحالة يسمى تطورا طبيعيا حدث وأنتج بكتيريا جديدة قد لا يؤثر فيها المضاد الحيوي الذي كان يؤثر بالخلية الأم. هذا ما يسمى بمقاومة المضادات الحيوية.

وفي الحقيقة فان من يتعاطى المضادات بكثرة لا يؤذي فقط نفسه ولكن المجتمع كاملا: حيث تكمن الخطورة بأن تعاطي المضاد لفترات طويله ومتعددة يخلق جوا لا تقوى البكتيرا العادية على الحياة فيه مما يشكل افضلية للبكتيريا المطورة المقاومة للمضاد وبالتالي يساهم في تقويتها وانتشارها، وعندما يصاب شخص جديد بالعدوى بهذه البكتيريا فهو ايضا لن يستفيد من المضاد، فيلجأ الأطباء لنوع مضاد اخر للقضاء عليها، ولكن ما يحصل هو أن يبدأ الناس بالأفراط في استخدام المضاد الجديد حتى تتكرر نفس المشكلة، وقد اقتربنا الأن لمرحلة تواجد بكتيريا لا تستجيب لأي من انواع المضادات، وهو ما حذر منه الطب منذ سنوات.

علينا جميعاً العمل كيد واحدة للوقف من انتشار سلالات البكتيريا المقاومة لكل المضادات، عندما نمتنع جميعا ًعن تناول المضاد أو اعطائه لأطفالنا إلا عند الحاجة القصوى، وحسب نصيحة الطبيب. فمن الممكن أن يساعد المضاد صغيرك على التحسن بسرعة من عدوى بسيطة اليوم، ولكن تذكر بأنه يساهم بشكل مباشر بالوصول الى مستقبل بدون مضادات، ما يعني آلآف من الوفيات الناجمة عن أوبئة لا يمكن السيطرة عليها.