الكورونا 2019 بين الواقع والإشاعة

Blog Image
  • Author

    هلا الطاهر

    أخصائية علم الطب الجزيئي والوراثة
  • Date

    09 February 2020

أصبح الخوف من عدوى فايروس كورونا (2019-nCoV) هو الهاجس الشاغل للجميع عالميا في الآونة الأخيرة، وتعددت مصادر المعلومات والنشرات التي تبعث على الهلع بين الناس. فما هي صحة المعلومات ومدى خطورة هذا الفايروس؟

في البداية يجب فهم معنى فايروس وماهية عمله: الفايروسات هي مركبات بيولوجية مجهرية تنقسم وتتكاثر فقط عندما تدخل جسما حيا، وقد تصاب جميع اشكال الحياة بعدوى فيروسية، فيوجد فيروسات تهاجم الانسان واخرى تهاجم أنواعا مختلفة من الحيوانات، كما يوجد فيروسات للنباتات وحتى البكتيريا ممكن أن تصاب بعدوى فيروسية. تتشابه جميع الفيروسات بهدفها، وهو تحويل الجسم الوسيط الى مصنع فتستخدم خلاياه لنسخ مادتها الوراثية وانتاج فايروسات جديدة، وما أن يخرج الفايروس الى وسط غير حي فإنه يأخذ قليلا من الوقت - يختلف بإختلاف الفايروس- قبل أن يتفكك وينتهي، ويوجد الكثير من الأنواع المختلفة والمعروفة في العالم. تختلف طريقة العدوى وآلية العمل بإختلاف النوع والجسم الوسيط، ما يجعل بعضها اكثر خطورة من الآخر.

وتتميز الفايروسات بقدرتها الهائلة على التطور، حيث تظهر حتميا كل عام أنواع جديدة من الفايروسات، فمثلا نجد أن لقاح الانفلونزا السنوي يتغير كل سنة حيث يقوم العلماء بتوفير اللقاحات اللتي تواجه الأنواع المسجلة أخيرا. ويحدث كل فترة ظهور لعدوى فايروسية وبائية تتمثل بظهور نوع جديد من الفايروسات المتسمة بخطورة عالية أو قدرة سريعة على الإنتشار، ما يسبب حالة من القلق عادة ما تنتهي بإحتواء للأزمة عن طريق توفير العناية الطبية والعزل للمصابين لمنع الانتشار، يتبعها توفير اللقاح أوالعلاج المناسب والذي ينهي من خطورة العدوى.

يعد وباء فايروس كورونا 2019-nCoV -والذي سمي بفايروس ووهان نسبة للمدينة الصينية التي ظهر فيها- ثالث وباء حديث لفايروسات من نوع الكورونا، حيث سبقه فايروسSARS  الذي ظهر في الصين عام 2003 ويعتقد انه انتقل للإنسان من حيوان الخفاش أو القطط، يليه فايروس  MERSالذي سجل ظهوره الأول في الأردن والسعودية عام 2012 ويعتقد بأنه انتقل من الإبل للإنسان. وفي كلتا الحالتين السابقتين كانت نسبة الوفيات الناجمة عن الفايروس مقارنة بعدد الإصابات أعلى من ما سجل الكورونا 2019 الجديد لحد الآن، وقد تم احتواء الوباء بالحالتين والقضاء عليه.

ظهر فايروس كورونا الجديد في أواخر2019 في منطقه ووهان في الصين واتسمت أعراضه بأعراض شبيهة بالإنفلونزا، يتبعها التهاب صدري شديد وقاتل في بعض الحالات، وقد احدث ضجة وقلق عالمي لأنه سريع الانتشار وغير واضح كيفية العدوى، وما يجعله مختلف عن الحالات السابقة لأوبئة كورونا هو ان فترة الحضانه للفايروس – يقصد بالحضانة ان يكون الشخص حاملا للمرض و معدي ولكن الأعراض غير ظاهرة عليه – قد تمتد الى اسبوعين، ما يعني ان الفايروس قد ينتشر بسرعة بين الأفراد قبل ظهور الأعراض عليهم. ولذلك حثت المنظمات العالمية الجميع بأخذ احتياطات السلامة العامة من حيث غسل اليدين بانتظام وعدم وضع اليد على الوجه، بالإضافة الى عدم الاقتراب من شخص مريض ومراجعة الطبيب في حالة المرض. وقد لجأ العديد من الأشخاص الى استخدام الكمامات، وهي مفيدة -أنواع محددة- للأشخاص الذين يتعاملون بشكل مباشر مع العديد من الناس يوميا كالعاملين في قطاع الخدمات والصحة وغيرهم.

صاحب ظهور الفايروس حالة من الخوف و الهلع الشديد، وانتشرت الكثير من الاشاعات و المعلومات المغلوطة، فما هي خطورة المرض في الحقيقة وهل فعلا علينا أن نخاف؟

لا يستطيع العلماء حتى الأن تحديد آلية عمل الفايروس بدقة كونه لا يزال تحت التجارب، ويعتبر عدد الوفيات المسجلة متنديا مقارنة بعدد المصابين حيث لا تتجاوز النسبة 2% لحد الآن، كما أن نسبة مرتفعة من الوفيات التي سجلت لمصابين الفايروس كانت لأشخاص ذوي مناعة منخفضة في الأصل، وبالمقابل هنالك العديد من المصابين الذين تعافو تماما من المرض. وبالرغم من ان الفايروسات الخطيرة تكون غالبا صعبة الإنتقال والإنتشار، الا أن المعلومات الأولية تظهر أن فايروس الكورونا ينتشر مثل الأنفلونزا من الرذاذ المرافق لتنفس المصاب، ولا يزال العالم منتظرا للمزيد من المعلومات الطبية عن الفايروس.

وقد قدمت منظمة الصحة العالمية بيانا يحارب الشائعات، وأكدت ان استلام شحنة قادمه من الصين لا يشكل أي خطورة، واستخدام زيت السمسم أو الثوم وغيرها من الوصفات الشعبية لا يقضي على الفايروس، كما اكدت أن فايروس كورونا الجديد 2019 ليس الأخطر عالميا كما تتناقل الإشاعات.

أما سبب الضجة الإعلامية و القلق المتنامي فهو أن الصين بلد مكتظ سكانيا وفي حركة تنقلية وتجارية دائمة، مما قد يساهم بشكل خطير بإنتشار الفايروس. وبالرغم من أن الحالات المسجلة خارج الصين للآن تحت السيطرة، الا أن القلق مستمر من انتشار الفايروس في المناطق الفقيرة التي تخلو من امكانية عزل طبي و سيطرة كاملة، فقد يكون محدود الخطورة على المجتمعات المتقدمة طبيا الا ان تفشيه في المناطق الأقل حظا -مثل دول افريقيا الفقيرة- ممكن أن يصبح كارثيا. ولهذا اتخذت اجراءات وقائية تحد من سرعة انتشاره، كمنع أو تحديد السفر الى مناطق معينة.

وفي النهاية يبقى العالم في حالة قلق وترقب لما ستظهره الأبحاث، وكيف سيكون مجرى هذا الوباء الجديد، مع التذكير دائما بعدم الإستماع الى الشائعات والتحري من المصادر الموثوقة فقط.