ولادة الأربعين - الحلقة الثالثة

Blog Image
  • Author

    نادين الصرايرة

    كاتبة هاوية للحروف ومؤلفة لبعض القصص القصيرة والحكايات
  • Date

    25 February 2020

جاءني الفضول بأنْ أعرف قصّتهما، وكيف تعارفا وكان لقاؤهما، لطالما خشيت مِن سؤالها، ولكنّ عبوسها طيلة الأيّام أشعل داخلي نار الفضول؛ لأعرف سبب كلّ هذا التعلّق، كان جوابها: كنت صغيرة… واكتفتْ بهذه الكلمات. ردّها لم يُشبع سؤالي، ولكنّه أشبع شيئًا داخلها، ككرامتها مثلًا التي حلّلت لألمها أنّها أخطاء طفلة تغتفر، ولكنْ بعد ماذا يا أمّي؟! فالطفلة كبرت وهي سعيدة بهذا الخطأ، فهل ستغفرين لنفسك أم لخيبة أبي لك الآن؟!

 

في يوم (4) كانون الأوّل أتمّت أمّي ميلادها الأربعين، أيْ بعد مضيّ عامٍ ونصف مِن هجر والدي لنا، ركضت لأحتضنها ولأهنّئها بعيد مولدها، وكنتُ واثقة بأنّها ستصدّني وتهزأ بعباراتي لها، فهي لم تعد طفلة على حدّ قولها، ولكنّها قابلتني بحضن حاولتْ تدفئته، لكنْ كان فيه الكثير مِن برودة الفقد .نظرتُ إلى باب بيتنا لعلّ طرقة حذاء أبي تسعدها، فلطالما انتظرته بذات المكان لكنّه لم يأتِ، خرجت أمّي على عجل وأوصتني بأخي.

 

جلسنا أنا وأخي نتبادل الحديث ونحلم بعودة أبي واستذكار قصصه، جرَّتنا أحاديثُ كثيرة وتوقّفنا عند رغبة أخي بإقامة حفلة ميلاد في بيتنا لأيٍّ كان منّا أو حتّى لعيد ميلاده العاشر… ضحكت بسخرية وقلت له: كيف كانت حفلتك كما صنعها خيالك؟ كم أنّك أبله فهل تقوى على المضيّ بخيالك لشيءٍ لم نره يوما؟!

دمعت عيناه وقال: كثيرًا كانت تقام حفلات أعياد ميلاد لأصدقائي، ولطالما سألوني عن عدم إقامتي لمثل تلك الحفلات، فكنت أتهرّب بعذر أنّ أبي كثير السفر، رغم وجوده حولنا، والآن لم يعُدْ موجودًا أساسًا فكيف الحال لامرأةٍ مهجورة تعمل في خدمة الزبائن في صالون تجميل براتبٍ يكفي لسدّ جوعنا فقط.

 

بعد هجر والدي لم نرَ والدتي إلّا لسويعات قصيرة حتّى ظننت أنّها تمهّد لهجرنا بعد أيّام، فكيف ستُخلص لأبناء رجل أذاقها مِن الخيبة جرعات دون أنْ أعي أنّها أمٌّ أخلصت لرجل لم يُنصفها؟! فكيف بفلذات كبدها وأرواح من روحها ولدت؟!

 

عادت أمّي مساءً تحمل بيديها أكياسًا بكلّ الألوان، لأوّل مرّة أمتلك دميةً تُشبه بطلات الكرتون، ولأوّل مرّة أخي يُمارس قيادته على سيّارة تعمل بالبطّاريّة، كلّ مشاعر الدنيا تعجز عن وصف سعادتنا حتّى إنّني للحظة كرهت أيّامنا معَ أبي، فكيف له أنْ يحرمنا من معاني الطفولة هذه؟! “كانت لحظة مستقطعة مِن فرط سعادتي فقط فهو أبي بكل الظروف”.

 

يتبع.......