فتاة قرويّة - الجزء الثاني

Blog Image
  • Author

    نادين الصرايرة

    كاتبة هاوية للحروف ومؤلفة لبعض القصص القصيرة والحكايات
  • Date

    24 March 2020

مرّت الأيّام وأصبحتُ أنا وزميلتي في الغرفة أكثر صداقةً بل يُمكن القول أكثر أخوّةً، فقد تشاركنا كلّ شيء وشدَدْنا قبضة أيدينا سويّةً لنتمكّن مِن إثبات نفسنا بعيدًا عن أهلنا، وأتقنْتُ أنا أخيرًا وضع مستحضرات التجميل بنفسي، فقد بدوْتُ في غاية مِن الجمال والأُنوثة، كنتُ أزداد غرورًا كلّما نظرْتُ لمرآتي، وكلّما سمعْتُ الثناء على جمالي وطريقة رسمي للكحل، شعرْتُ أنّ الحياة تبدَّلَتْ داخلي وأصبحَتْ تُحوجني أكثر لاكتشاف نواحٍ أُخرى مِن الأُنوثةِ، فقد أصبحَتْ نظرات الشباب إليّ تزيدني فرحًا وتكبُّرًا، كلّ شيء تغيّر في حياتي حتّى إنّني نسيتُ أهلي ولم آبه لزيارتهم نهاية كلّ فصل تحت أعذار الدروس الإضافيّة والأبحاث. في بداية السنة الأخيرة مِن الدراسة أدركَتْ زميلتي التغيُّر الذي طرأ عليّ وجرّني نحو المجهول، واجتثّ عروق مبادئي وأخلاقي، فدائمًا كانت هي سندي وقت الحاجة، وأصبحتُ أنا المتذمّرة مِن كثرة نصائحها حتّى أودَتْني بشعور الكره نحوها، ونحو التزامها المفرط رغم مطبّات الحياة حولها… كانت تُريد إبطاء السعادةِ داخلي لتُميتني شيئًا فشيئًا، لكنّي لن أسمح لها بإلغائي فأنا أتنفّس جمالًا وأنوثةً، وقد استغرقْتُ كثيرًا لأصل لكامل رضاي هذا، ولأنْ أُجاريَ بنات عصري.

 

جاء يومٌ ومِن فرط ثقتي المزيّفة بجمالي قرّرْتُ أنْ أخرجَ دون وضع أيّ مستحضر على وجهي، دخلتُ كلّيّتي والنظرات تكاد تلتهمني، فقد اعتادوا على وجهي المطرَّز بالألوان ومشيتي بخيلاء. شدّتني يدٌ قاسية فقد كانت زميلةً لي بالكلّيّة صاحبة مَكرٍ ودهاء، لم تكن علاقتنا جيّدة بسبب شابٍّ ما، أروَتْ عطشي وفجعت ذُهولي مِن تلك النظرات بإطرائها أنّي حقًّا أبدو أجمل مِن قبل، وطلبتِ التقاط صورة تجمعنا لتكون بدايةً لصداقتنا ونهاية للمعركة، وأنا بكلّ سذاجة افترشْتُ ابتسامة مغرورة مِن بطش الثقة البلهاء، فوجئتُ بصورتي مقابلها صورةٌ لي وأنا بكامل تزيُّني على صفحة الكلّيّة، ألصقتْهم بعنوان “أوجدوا التشابه المستحيل”، بعدها لم أجرؤ على العودة إلى الجامعة، فكلمات السخرية ما زالت تدوّي في أذني، قرَّرْتُ أنْ أجمع نفسي وأُعيد ترتيب ما بعثرَتْه تلك الفتاة، فوقفْتُ أمام المرآة لم تكن سوى صورةٍ طبق الأصل عن زيف المستحضرات، فمهما كانت رديئة النوع إلّا أنّها تفي بإيجاد الجمال، ولربّما مرآتي أصبحَتْ أكثر غرورًا منّي وكذبًا، لملمْتُ أشيائي لا بل أشلائي التي نهَشَتْها تمرُّداتي، فكم جرّني الغباء، وجمّل كلّ تلك الحماقات، وأحلّها مكان أخلاقي.

 

عُدْتُ لقريتي وانتهتْ بأوّل عتباتها كلّ سخافاتي، ونفضتُ الماضي وعُدتُ أنا لذاتي، فلن أبقى عبئًا على الأكتافِ، فقد جمّلتُ فتيات القرية ومكّنتُهُنَّ مِن وضع المستحضرات في عقد قِرانهنّ، وساعدْتُ أبي في توفير قوت يومنا في عيون فتيات القريةِ وبراءتهنّ، أيقنْتُ أنّ المبادئ سيّدة الأزمان، وأنّ الأنوثة كالنهر العاصي لم يتميّز مِن بين الأنهار سوى لاختلاف مجراه… فكُوني عصيّةً على الانجراف نحو ما هو مخالفٌ لمبادئك يا حواء.