المطاعيم بين مؤيد ومعارض

Blog Image
  • Author

    هلا الطاهر

    أخصائية علم الطب الجزيئي والوراثة
  • Date

    24 July 2020

 

في وقتنا الحالي تعددت مصادر المعلومات وتنوعت المعلومات المتوفرة أمام الجميع, ما كان له آثار ايجابية غالبا وسلبية في بعض الأحيان. مثل موضوع المطاعيم الذي يترك الأهل في حيرة شديدة ما بين مقالات داعمة وأخرى معارضة. فما حقيقة المطاعيم ولماذا تتباين الآراء حولها؟

يعد تاريخ المطاعيم غاية في القدم حيث تشير الدلالات الى استخدام الصينيين القدامى لبعض انواع التطعيم، الا ان التاريخ الحديث يبدأ في القرن السابع والثامن عشر الميلادي عندما اكتشف العلماء أن استخلاص جزء من الحبوب المصاحبة للجدري واعطاءها لشخص سليم يولد وقاية من المرض. وبالطبع توالت الأبحاث وتوسعت مع التقدم العلمي، ولكن المبدأ العام هو أن تعريض الجسم للميكروب المسبب للمرض ولكن بحالة غير معدية يعطي الجسم فرصة لتكوين اجسام مضادة خاصة بهذا الميكروب وبالتالي مناعة أفضل ضده. أو ممكن انتاج اجسام مضادة جاهزة واعطائها ولكن هذه الطريقة لا تمنح مناعة دائمة. ومع الثورة العلمية والتكنولوجية في القرن العشرين تنوعت المطاعيم وأصبح انتاجها بكميات كبيرة ممكنا، واستطاع العلم السيطرة والقضاء على بعض الأمراض التي كانت سابقا اوبئة قاتلة ومخيفة مثل الحصبة وشلل الأطفال.

 لقد استطاعت المطاعيم من انقاذ حياة الملايين وتوفير حياة افضل للجميع بلا شك. ولكن مع ظهورها ظهرت جهات معارضة ولأسباب مختلفة، يذكر منها أن المطعوم مثل أي علاج دوائي يخضع لعملية تصنيع معقدة ويدخل في تصنيعه وحفظه بعض المواد التي تشكل تخوفا لما قد تسببه من أعراض جانبية. وقد حدث أن سحبت الجهات المرخصة بعض المطاعيم بعد إصدارها في النصف الثاني من القرن الماضي لظهور بعض الأعراض مثلما يحدث أن تسحب أدوية أخرى أحياناً، مما زاد من نسبة المعارضين والمتخوفين.

ومن ثم جاءت دراسة تدعي ارتباط لقاح الحصبة-النكاف-الروبيلا بالتوحد، ما أحدث البلبلة ودفع الكثيرين الى رفض التطعيم. وبعد سنوات من البحث تبين بدليل قاطع ان الدراسة كانت مختلقة وليست صحيحة وتم التراجع عنها ومحاسبة صاحبها قضائياً ومنعه من ممارسة مهنة الطب، ولكن الأثر السلبي لها لم يختفي ولازالت هناك جهات تروج لرابط بين التوحد والمطاعيم بشكل عام، مما استدعى عدة دراسات مكثفة في هذا الشأن. في الواقع إن الدراسات العالمية الموثوقة والتي اجريت على آلاف البشر لم تجد أي رابط بين التوحد والمطاعيم، ومع ذلك ومثل اي موضوع مهم في الطب يبقى هذا النقاش مفتوح وخاضع للأبحاث.

وبالطبع مع استمرار التقدم العلمي فإن المطاعيم المتوفرة حالياً هي الأفضل والأكثر أماناً. ولا يمكن أن يطرح أي دواء الى الأسواق بدون دراسة مكثفة له ولمدى فاعليته وأي عرض جانبي محتمل، حيث يدخل المطعوم بعدة مراحل من الدراسات يكون آخرها الدراسات السريرية على أعداد كبيرة من البشر من أعراق مختلفة ومتابعتهم إلى حد الوصول الى المعرفة الكاملة بخواص المطعوم. وبالطبع فإن أي مطعوم قد يسبب أعراض جانبية خطيرة أوعالية الأذى يتم رفضه ولا يصل الى المراحل النهائية من البحث. أما الأعراض الجانبية المحمولة مثل الحرارة أو الإنتفاخ الموضعي فتكون الدراسة مبنية على تقدير المنفعة مقابل الضرر المحتمل ومن ثم أخذ القرار الأنسب، وهذا الإجراء المتبع في الطب. ومثل أي مستحضر دوائي يوضع قائمة طويلة بكل الأعراض الجانبية المحتملة لأي مطعوم مع النشرة المرفقة ومن الممكن الإطلاع عليها بسهولة.  

والجدير بالذكر هو ما حصل مؤخراً من رجوع لوباء الحصبة في امريكا بعد أن امتنع عدد كبير من الأهالي عن اعطاء المطعوم لأطفالهم ظناً منهم بأن لا فائدة منه. مما أدى الى عودة المرض بعد أن كانت امريكا خالية تماما منه ولعدة سنوات. مما يؤكد على أهمية المطاعيم وعدم الإستهانه بها.

علينا أن نتذكر أنه فقط لأن العدو الذي يتربصنا ليس مرئي أو ملموس الأثر لا يعني أنه غير موجود، إن عدم وجود الأمراض التي نتلقى لقاحا لها ما هو الا دليل مباشر على نجاح اللقاح، والأعراض الجانبية المحتملة للمطعوم لا تقارن بالوباء المحتم لو لم يتمكن الطب من انتاجه وتحسين مستوى الحياة لملايين البشر.